تحليل المعلومات وتفسيرها في البحث العلمي
الخطوة الرابعة: تحليل المعلومات وتفسيرها
ينتقل الباحث في هذه الخطوة بعد إجراء الخطوات السابقة في مرحلة التصميم إلى مرحلة التنفيذ ، فتجمع المعلومات فيه من مصادرها ، سواء من أشخاص أم وثائق وسجلات أو غير ذلك...الخ.
وبعد أن تكتمل مرحلة الجمع ، وتصبح المعلومات متوافرة لديه بصورة استمارات مُجاب عليها أو بصورة استمارات مقابلة استكملت من قبل الباحث، أو بصورة جداول ملاحظة أو عبارة عن وثائق وسجلات، وهنا يبدأ الباحث في تنفيذ الخطوة الرابعة وهي : تحليل المعلومات وتفسيرها.
ويعني تحليل المعلومات : استخراج الأدلة والمؤشرات العلمية الكمية والكيفية التي تبرهن على إجابة أسئلة البحث أو تؤكد قبول فروض أو عدم قبولها . فهي تمكن الباحث من تحليل المعلومات التي لا بد له من تهيئتها أولاً للتحليل، وإلا لن يستطيع أن يستخرج المؤشرات من الاستمارات مباشرة. وتهيئتها تعني : مراجعتها ،وتبويبها وجدولتها ومن ثم تفريغها.
أي أن خطوات تحليل المعلومات تتكون من ثلاث مراحل:
- مرحلة تهيئة المعلومات للتحليل
- مرحلة التحليل ذاتها
- مرحلة التفسير.
المرحلة الأولى : تهيئة المعلومات للتحليل
ويمكن تنفيذ هذه المرحلة باتباع الخطوات التالية:
مراجعة المعلومات .
تبويب المعلومات .
تفريغ المعلومات .
أ- مراجعة المعلومات: بعد جمع المعلومات يقوم الباحث بمراجعتها ، وذلك بعد استخراج ما يمكن أن يؤثر على عملية نتائج البحث ، ومحاولة التأكد من صحة المعلومات . فمثلا يقوم الباحث أولا باستبعاد الاستمارات التي لم يُجَب عليها ، ثم مراجعة البنود التي وضعها الباحث للتأكد من جدية المجيب في إجابته كذلك ، فيُبقي في النهاية إلا الاستمارات الصحيحة وذات الإجابات الجدية.
أما إذا كانت المعلومات عبارة عن سجلات أو وثائق مكتوبة ، فتتم مراجعتها بتطبيق عمليتي النقد الداخلي والنقد الخارجي عليها - والتي سبقت الإشارة إليهما في محاضرات سابقة- وبذلك يتأكد الباحث بأن معلومات بحثه مستمدة من مصادرها الصحيحة .
ب- تبويب المعلومات: يختلف تبويب المعلومات تبعا لأسلوب التحليل. فإذا كان التحليل كميا ، وسوف ينفذ بواسطة الكمبيوتر ، فلا بد لتبويب المعلومات من اتباع ما يلي بالترتيب:
- وضع رقم هوية لكل استمارة . (S001, S002 , S003,..,…,…Sn)
- وضع رقم هوية لكل بند من بنود الاستمارة.(Q001, Q002,Q003,…,….Qn)
- وضع رقم هوية لكل إجابة من إجابات البند الواحد.(مذكر=1، مؤنث=2 أو موافق جدا=5 ، موافق =4 ، محايد=3 ، غير موافق=2 ، غير موافق بشدة=1 ، وهكذا ترقم الإجابات المحتملة والمتعددة)
أما إذا كان التحليل كيفيا أو كميا لكن تنفيذه يدويا وليس بواسطة الكمبيوتر ، فيتم التبويب بما يلي :
1- تحديد القوالب الرئيسية لعرض المعلومات ، وذلك طبقا للمتغيرات التي تشتمل عليها الدراسة ، كالسن والحالة الزوجية والدخل الشهري والمستوى التعليمي.
2- تصميم جداول عرض المعلومات، كأن يصمم لكل قالب جدول تعرض فيه المعلومات التي تتعلق به.
تختلف كيفية تفريغ المعلومات طبقا لأسلوب التبويب ، فمثلا باستخدام الكمبيوتر يتم نقل تلك المعلومات التي ترجمت برموز رقمية (أرقام) بفعل التبويب من الاستمارات إلى البرنامج في الكمبيوتر.
أما المعلومات التي سوف تحلل كيفيا أو كميا بدون كمبيوتر فيتم تفريغها مباشرة بنقلها من الاستمارات إلى الجداول المصححة سلفا بصورة أرقام (إذا كان التحليل كميا) ، أو بصورة معلومات كيفية (إذا كان التحليل كيفيا).
المرحلة الثانية : تحليل المعلومات
بعد تهيئة المعلومات للتحليل من خلال مراجعتها وتبويبها ، ومن ثم تفريغها ، تأتي المرحلة الثانية وهي تحليل المعلومات .
وتحليل المعلومات يمكن أن يتم بصورة كيفية فقط، أو كمية فقط ، أو كيفية وكمية معا.
• التحليل الكيفي:
إدراك الباحث وفهمه أساس التحليل الكيفي ، إذ أن ذاتيته (الباحث) لها تأثير على معالجة المعلومات ، ومع ذلك يستطيع أن يطبق هذا النوع من التحليل بكل موضوعية تامة ، وذلك عندما يقتصر على تصنيف الحقائق ومحاولة الربط بينها لاكتشاف العلاقة واستخراج المؤشرات والبراهين العلمية التي تبرهن على معلومة معينة موضحا وجه الدلالة ومؤشرات العلاقة. وعليه فإن الباحث سيستنتج من الجداول المفرغة أهم المؤشرات والأدلة ذات الصلة بالمتغير الذي يحويه ، دون إيراد في تحليله عبارات ذاتية. فمن الأمور التي تجعل التحليل الكيفي مدعاة للتدخل الذاتي من قبل الباحث، أنه ليس له أسس ثابتة ومعايير واضحة كما هو في التحليل الكمي.
• التحليل الكمي:
ويعني معالجة المعلومات معالجة رقمية، وذلك من خلال تطبيق أساليب الإحصاء بنوعيه الوصفي والاستنتاجي. فالمحلل الكيفي يتعامل مع الأفكار والآراء مباشرة دون تحويلها إلى أرقام ، بينما المحلل الكمي يتعامل مع أرقام معبرة عن أفكار وأراء.
ويمر التحليل الكمي للمعلومات بثلاث مراحل:
• تنظيم المعلومات وعرضها
• وصف المعلومات
• تحليل المعلومات
ان لكل مرحلة سابقة غرضها ، كما تحتوي كل منها على عدد من الأساليب الإحصائية التي تحقق أغراضا مختلفة . وعليه فان طبيعة المشكلة المدروسة وما جمع حولها من معلومات يعتبران عاملان أساسيان يبنى عليهما اختيار وتطبيق أي من مراحل التحليل الكمي وأساليبها الإحصائية.
1- مرحلة تنظيم المعلومات وعرضها
ولتحقيق ذلك تطبق الأساليب التالية:
أ- صف المعلومات : تصف المعلومات في جداول ، وترتب ترتيبا تصاعديا أو تنازليا. وهذا يحقق فوائد كثيرة:
• أن الباحث يستطيع ملاحظة أعلى وأدنى قيمة بسهولة.
• أن الباحث يستطيع تصنيف المعلومات أيضا بسهولة.
• أن الباحث يستطيع ملاحظة مدى التكرر في المعلومات.
ب- التوزيع التكراري:
أي تجمع المعلومات حسب تكرارها ، كأن تعرض على هيئة جداول تكرارية أو تمثيل بياني.
ويتم تفريغ عدد الأسر على النحو التالي:
الفئات عدد أفراد الأسرة | علامات التكرار | التكرار (عدد الأسر) |
2-3 4-5 7-6 8-9 10 فأكثر | //// ///// / ///// ///// ///// / // | 4 6 10 6 2 |
التمثيل البياني : ويعرض على شكل:
• مدرجات تكرارية.
• مضلعات تكرارية.
• منحنيات تكرارية.
2- مرحلة وصف المعلومات
تمثل المرحلة السابقة مرحلة تتم فيها اختصار المعلومات وعرضها عرضا يسهل فهمها ، ومن ثم تحليلها. لكن هذا لا يكفي لإجراء المقارنات بين عناصر ومتغيرات الظاهرة المدروسة.
فالباحث يحتاج لتطبيق المرحلة الثانية (وصف المعلومات) وصفا يبين مركزها وتشتتها وارتباطها ببعضها ، وهذا يتحقق بواسطة المقاييس التالية:
• مقاييس النزعة المركزية: المتوسط ، المنوال ، الوسيط.
• مقاييس التشتت: المدى المطلق ، المدى الربعي ، الانحراف المتوسط ، الانحراف المعياري.
• مقاييس العلاقة .
وسوف نقوم بتركيز الشرح والتفصيل حول النوع الأخير من المقاييس.
• مقاييس العلاقة: إن المقاييس السابقة (مقاييس النزعة المركزية ، مقاييس التشتت) تتعلق بدراسة معلومات حول متغير واحد. أما مقاييس العلاقة فتتعلق بغرض وصف المعلومات والمقاييس التي تبين درجة العلاقة والارتباط بين متغيرين.
وهنا ينبغي الإشارة إلى بعض المصطلحات ذات العلاقة بهذه المقاييس.
- الارتباط الموجب:تزايد المتغيرين المستقل والتابع معا ، واعلي درجة له (+1).
- الارتباط السالب : تغير يشير إلى تزايد في متغير يقابله تناقص في المتغير الأخر ، وأعلي درجة له (-1).
- معامل الارتباط: مقياس إحصائي يدل على مقدار العلاقة بين المتغيرين ، سلبية أم ايجابية كانت، ومجالها [-1 ، +1].
- تفسير معامل الارتباط:
• الإشارة (-) هذا يعني العلاقة طردية.
• الإشارة (+) هذا يعني العلاقة عكسية
• الإشارة (صفر) هذا يعني لا علاقة إطلاقا.
أهم مقاييس الارتباط:
هناك مقياسين أكثر استخداما وتداولا في الدراسات والأبحاث المختلفة وهما :
• معامل بيرسون
• معامل ارتباط سبيرمان
ملاحظة هامة: بعد حساب قيمتي كل من معامل الارتباط بيرسون ومعامل ارتباط سبيرمان ، قد يلاحظ الباحث هناك فرقا بينهما ، وذلك راجع إلى تقريب كل من القيم الأصلية إلى رتب في معامل سبيرمان ، ذلك ما جعله أقل دقة من معامل بيرسون ، لكنه أكثر سهولة في الحساب اليدوي.
3- مرحلة تحليل المعلومات
وتهدف هذه المرحلة أساسا لاختبار الفروض اختبارا علميا مبرهنا بأدلة إحصائية يتمكن الباحث بموجبه مما يلي:
• معرفة مدى تمثيل العينة لمجتمع البحث.
• حجم العينة ، فكلما كبُرت العينة قلَّ التذبذب (قلَّ الفرق) (بين متوسط العينة ومتوسط المجتمع).
• المقياس الإحصائي المستخدم ، فالمتوسط الحسابي أكثر مقاييس النزعة المركزية ثباتا.
• درجة التباين في المتغير ، فالفروق بين أفراد مجتمع البحث تزداد كلما ازداد احتمال شمول العينة على حالات متطرفة.
• قياس الفرق بين متوسطات ، معامل الارتباط ....الخ لإجابات عينات البحث ، وتقرير ما إذا كان الفرق ذا بال أم لا.
• مثلا : نريد معرفة رأي العاملين من ذكور وإناث حول عمل برامج تدريبية للعاملين بالمؤسسة . هل هناك فرق في رأي كل من الفئتين؟.
الفرض الصفري : ليس هناك فرق ذو دلالة إحصائية بين رأي العاملين والعاملات حول ضرورة تدريبهم.
فبعد الإجابة الإحصائية قد نقبل الفرض الصفري أو نرفضه. لكن قد يكون إقراره بالقبول أو عدمه يتفق مع الحقيقة وقد لا يتفق معها.
وبأسلوب آخر : يتوصل الباحث بعد اختباره للفرض إلى واحد من الأحكام التالية:
• قبول الفرض وهو في الواقع صحيح، هنا يكون الحكم صحيحا.
• عدم قبول الفرض وهو في الواقع صحيح (هنا يكون الحكم خطأ من النوع الأول).
• قبول الفرض وهو في الواقع غير صحيح (هنا يكون الحكم خطأ من النوع الثاني ).
• عدم قبول الفرض ، وهو في الواقع خطأ. وهنا يكون الحكم صحيحا.
حتى يبرهن الباحث على صحة ما يتخذه من حكم من هذه الأحكام ، ويؤكد عدم وقوعه بأي من الخطأين النوع الأول والنوع الثاني ، لا بد له من تحديد مستوى الدلالة الإحصائية الذي ذكره في الفرض ، والذي يؤكد فيه أعلى احتمال مقبول للخطأ يمكن أن يقع فيه صدفة . أما إذا تجاوزه فيُعد وقوعه في أحد نوعي الخطأ لا لمجرد الصدفة بل هو خطأ في المنهجية سواء في اختيار عينة صغيرة لا تمثل المجتمع ، أو اختيار عينة متحيزة (غير عشوائية).
ويكون مستوى الدلالة في الغالب لا يتجاوز القيم التالية 0.01 و 0.05 (1% ، 5%).
فعندما يحدد الباحث مستوى الدلالة بـ 0.05 مثلا ، فهذا يعني أنه يؤكد ثقته وجزمه بنسبة 95% بأن ما توصل إليه من حكم يساير (يتمشى مع) الواقع تماما. ولكن لا يزال هناك احتمال 5% بأنه لا يساير (يتمشى مع) الواقع ، وإنما بمحض الصدفة.
كيف يتوصل الباحث إلى الحكم على ما اتخذه من قرار؟
يمكن التوصل إلى الحكم بواسطة تطبيق أحد اختبارات الدلالة :
• اختبار ت :
ويطبق هذا الاختبار عندما يكون الهدف معرفة الفرق بين متوسطين أو نسبتين أو معاملي ارتباط ، وذلك للحصول على مستوى الدلالة الإحصائية للفرق.
كما يطبق "اختبار ت" إذا كان الهدف معرفة الفرق بين متوسطين مرتبطين (لعينة واحدة). مثال : نريد معرفة أثر التدريب على أداء العاملين...فهنا نقيس أداءهم قبل التدريب ، ثم معرفة أداءهم بعد التدريب كذلك...وهذا طبعا لنفس العينة.
كذلك ، يطبق اختبار ت إذا كان الهدف هو معرفة الفرق بين متوسطين غير مرتبطين (لعينتين) متساويتين في عدد أفرادهما. مثال : نريد معرفة الفرق في متوسط الأداء لطريقتي تدريب على عينتين من العاملين ...فهنا نقيس متوسط الأداء لكل طريقة تدريب لكلا العينتين . ونعرف ما هي الطريقة الأفضل التي تحقق أداء أعلى.
• اختبار تحليل التباين:
لتحليل التباين تطبيقات متعددة تحقق أغراضا مختلفة ، وتستخدم عندما يكون الهدف تقرير ما إذا كان هناك فرق ذو دلالة إحصائية بين ثلاث متوسطات أو أكثر.
• اختبار مربع كاي:
ويطبق هذا الاختبار لمعرفة الفرق بين التكرارات الملاحظة والتكرارات المتوقعة (المفترضة) في المعلومات هل هو فرق ذو دلالة إحصائية ؟ أم انه حصل صدفة؟
مثال: تم وضع برنامج تدريبي ، وتم تحديد أهدافه (تم عرض أهدافه في قائمة) ، ثم وُضع مقياس ثنائي (متحقق ، غير متحقق)
يفترض الباحث ما يتوقعه من إجابة معتمدا في ذلك على خلفية علمية وأسس نظرية ، ثم يقوم بتطبيق مربع كاي على الإجابات بعد إجراء التدريب.
إذن هنا نقيس الفرق بين التكرار الملاحظ والتكرار المتوقع.
المرحلة الثالثة : تفسير المعلومات
يكشف الباحث في هذه المرحلة عن إجابة أسئلة البحث أو يوضح قبول فروضه أو عدم قبوله بأسلوب يتمكن من فهمه القارئ.
إن هذه المرحلة من أدق مراحل البحث العلمي وأخطرها بصفة عامة ، وعندما يكون التحليل كيفيا بصفة خاصة. ففي هذه العملية يكون البحث بكل تفصيلاته وكل ارتباطاته حاضرة في ذهن الباحث حضورا كاملا.
وتبدو عملية تفسير النتائج عملية تجميع وتأليف تتضمن وظائف عقلية خاطفة ، وهي المقارنة بين الحقائق ولمح العلاقات التي تربطها بعضها ببعض ، والتركيز على المتفق منها والمؤتلف ...إنها تعليل اتفاق المتفق والبرهنة على ائتلاف المؤتلف.
لا ينبغي للباحث أن يغلِّب انطباعاته وآرائه الشخصية عن التفسير الموضوعي ، فيورد عبارات ذاتية (مثل : وأرى ...، وأعتقد...، ويجب أن يكون...، وما شابهها).
وهو بذلك ينسى ويتجاوز الدور العلمي المطلوب منه ، الذي يقتضي الموضوعية وعدم التحيز في التفسير ، والاعتماد على الأدلة الكمية والكيفية التي تضمنها البحث.