لقد استحوذ مفهوم التحفيز وتأثيره العميق على أداء العمل الفردي والإنتاجية على اهتمام الباحثين والمنظرين لفترة طويلة. منذ الأيام الأولى للعمل المنظم في الحياة الاقتصادية، ظهرت دراسات ونظريات مختلفة لكشف ألغاز ما يدفع الأفراد إلى التفوق في مهامهم. ومن بين هذه النظريات، هناك العديد من النظريات البارزة التي شكلت فهمنا للحوافز والدوافع.
يبدأ هذا المقال في رحلة عبر تطور النظريات التحفيزية، ويلقي الضوء على الأفكار الرئيسية من النظريات الكلاسيكية إلى وجهات النظر المعاصرة. نحن نستكشف المفاهيم الكلاسيكية للإدارة العلمية لفريدريك تايلور وتركيزها على الحوافز المادية، بينما نتعمق أيضًا في حركة العلاقات الإنسانية التي بدأها إلتون مايو. نتنقل بعد ذلك عبر نظرية التسلسل الهرمي للاحتياجات التي وضعها أبراهام ماسلو، والتي أضافت بعدًا نفسيًا إلى التحفيز، ونظرية ERG لكلايتون ألدرفر، التي تقدم منظورًا دقيقًا.
انضم إلينا ونحن نحلل هذه النظريات ونقاط قوتها وقيودها والفهم المتطور باستمرار لما يحفز الأفراد حقًا في مكان العمل.
أ. النظرية الكلاسيكية التقليدية:
يعد فريدريك تايلور (1912) من الأوائل الذين تحدثوا عن الحوافز, من خلال مدخل علم الإدارة العلمية, الذي يهدف إلى التوصل إلى الطرق العلمية في العملية الإنتاجية, لرفع إنتاجية العامل إلى أقصى حد ممكن. وفي مقابل قدرة العامل في عمله, يحصل على اجر بالقطعة باستعمال أقصى لأدوات الإنتاج، التخصص، وكذا إزالة كل الحركات الزائدة في مجال العمل. ويقترح هذا النظام في العمل وجود معدلين للأجور (الإنتاج بالقطعة )، فالأول مرتفع إذا تمكن العامل من الانتهاء بالقطعة في الوقت المحدد، والثاني منخفض إذا كان إنتاج القطعة في وقت أطول من الوقت المحدد لها. ولقد اثبت تايلور من خلال ذلك أنه يمكن زيادة الحافز على الإنتاج والتحكم فيه من خلال نظام الأجور، فكل زيادة في الأجر تصاحبها زيادة في الإنتاجية، وكل إنتاجية أعلى تصاحبها أو يقابلها أجر أعلى. وهكذا... ولا تمنح الحوافز المادية إلا للفرد الممتاز الذي يحقق المستويات المحددة للإنتاج أو يزيد عليها. أما الفرد المنخفض الأداء والذي لا يصل إنتاجه إلى المستوى المحدد فعلى الإدارة تدريبه أو نقله أو فصله.
إن نظرية تايلور تجعل بذلك مهمة الإدارة في تحفيز العاملين هي مجرد: تحديد السلوك، والعمل الذي تريده، ثم تحدد مبلغ الحافز المادي لأداء العمل.
نقد نظرية تايلور:
لقد تم توجيه عدة انتقادات لهذه النظرية، أهمها:
- تايلور يسوى بين الأفراد والآلات، ويعتبر أن الأفراد لا يمكن تحفيزهم إلا بالمال، وهذا خطا، إذ أن الإنسان المعاصر لا يعمل من أجل الدخل فقط على الرغم من أهميته، وأنه لا يستجيب دائما لمقداره، وغالبا ما يستخدم عقله في الحكم على هذا الحافز الاقتصادي، ونراه قد يقوم بفعل يختلف عن ما تريده الإدارة، وبذلك يكون تايلور قد تجاهل المتغيرات النفسية والاجتماعية وتأثيرها على سلوك العمال.
- لقد حدد تايلور الأداء الفعلي على أساس أكفأ عامل، وفرض على باقي العمال أن يصلوا إلى مستوى أدائه دون مراعاة الفروق الفردية البشرية في القدرة والقوة ودرجة الاحتمال، وإلا مصيرهم الطرد؛ في حين كان الأجدر أن يكون الأداء على أساس العامل ذو الأداء المتوسط. أي أن تايلور بذلك يكون قد استخدم في سبيل الأداء الفعلي المحدد: الضغط والرقابة الصارمة، مما خلق جوا من التناقض والصراع بين العمال.
- تجاهل تايلور وجود الحوافز المعنوية وتأثيرها في زيادة جهد العاملين.
ب- نظرية العلاقات الإنسانية:
جاءت هذه النظرية كرد فعل على النظرية الكلاسيكية، وكان التوجه فيها هو دراسة الظروف المادية للعمل التي يعمل الفرد في ظلها، وذلك على بحوث ميدانية قام بها (التون مايو Elton Mayo ) قصد التأكد من نظرية تايلور التي تقول : أن الإنتاجية هي دالة في الظروف المادية.
قام "التون مايو" في مصانع "الهاوثورن" بالقرب من شيكاغو , وقد قاد فريقاً من الباحثين حيث أشرف على التجارب التي تمت في شركة ويسترن إلكتريك بالولايات المتحدة الأمريكية في مصانع هاوثورن حيث تعتبر هذه التجارب بمثابة بداية حركة العلاقات الإنسانية إذ لفتت الأنظار إلى مطالب الأفراد النفسية والاجتماعية، وفتحت أفاقاً جديدة للتفكير في إدارة الأفراد وفي تحقيق الأهداف المادية والمعنوية على السواء.
ولقد تضمنت تجارب هاوثورن التي امتدت من عام 1927 إلى عام 1932 إجراء تجارب كثيرة من أهمها:
1- تجارب الإضاءة: وفي هذه التجارب تم تعريض مجموعات مختلفة من العاملين لشدة إضاءات مختلفة، وملاحظة أثر ذلك على الإنتاجية , حيث تبين من خلالها أن الزيادة والنقصان في معدلات الإضاءة لا تتماشى مع الزيادة والنقصان في الإنتاج.
2- تجارب غرفة التجميع: تناولت هذه التجربة مجموعة من العاملات في قسم التجميع، حيث تم عزل مجموعة صغيرة منهن بصحبة عدد من الباحثين يقومون بأعمال الملاحظة وتجميع البيانات. وقد تبين من خلال هذه التجربة أن أداء عاملات المجموعات الصغيرة تأثر بالمكانة العالية التي حظيت بها من الإدارة كمجموعة مهمة ذات مكانة عالية ومتميزة عن بقية العاملات , مما جعلهن يشعرن بالبهجة والاندفاع في الأداء.
3- تجارب غرفة الأسلاك: إن أعضاء المجموعات في هذه التجربة هم من الذكور. وقد طبقت عليهم خطة أجور تشجيعية تعتمد على زيادة المكافآت نتيجة زيادة الإنتاجية، وكانت النتيجة أن الأفراد لم يزيدوا من إنتاجهم , لأنه كان يتم التحكم فيهم من قبل المجموعة التي حددت وقيدت إنتاج كل فرد وبفرض معايير محددة عليهم.
وباختصار, جاءت نتائج أبحاث "إلتون مايو" غير متوقعة, مؤكدة وجود متغير جديد , ألا وهو الروح المعنوية للعمال, ودرجة الانسجام والوئام القائمين بين المجموعة العاملة. وكشفت أن الحوافز المعنوية تقوم بدور حيوي في تحفيز الأفراد للعمل. وبينت تلك الدارسة أهمية الحاجة للانتماء إلى مجموعات العمل، مع ظهور عامل ديناميكية جماعة العمل، إذ من الممكن أن يبدع الفرد من خلال وجوده ضمن عمل جماعي، وكان لهما تأثيرا في تحفيز العاملين.
كما توصلت هذه الأبحاث إلى أن العامل في المؤسسة يعمل داخل جماعة لها عاداتها وتقاليدها، وهي غالبا ما تنشأ دون اعتراف من الإدارة، وتسمى بالجماعات غير الرسمية، وتمثل أهدافها في مقاومة القواعد والتشريعات الصارمة من قبل الإدارة.
ومع تطور الفكر ظهرت عدة محاولات لتطوير مفاهيم هذه النظرية يجعلها أكثر شمولا وعمقا في فهم وتفسير سلوك الأفراد.ومن أمثلة هؤلاء: ماسلو، هيرزبيرغ ، ألدفر، ماكليلاند وغيرهم...
ج. نظرية هرم/ سلم الحاجات لـ "ماسلو":
تعد هذه النظرية من أول النظريات الهامة في تفسير سلوك الإنسان في مجال العمل، والتي تعزى نسبتها إلى عالم النفس أبراهام ماسلو (Abraham Maslow) 1908-1970م إذ اعتبر أن الحاجات الإنسانية جاءت مرتبة حسب الأولوية كما هي مرتبة في الشكل الهرمي، وتتلخص افتراضاتها في أن سلوك الفرد محكوم بخمس حاجات مرتبة حسب الأولوية كما يعرضها الشكل التالي:
وتتلخص نظرية ماسلو في الأتي:
- الإنسان كائن يشعر بحاجات تؤثر على سلوكه.
- التمييز بين خمس مجموعات من الحاجات الإنسانية وهي: حاجات فسيولوجية، حاجات الأمان، الحاجة إلى الانتماء، حاجات الاحترام والتقدير، وحاجات تحقيق الذات.
- يمكن تصوير تلك الحاجات في شكل هرمي، ويبدأ الإنسان بإشباع تلك الحاجات إشباعا كليا لأنها هي المحرك الأساسي للسلوك.
- يمكن تحفيز الفرد عن طريق رغبته في سد حاجاته، فما أن يسد حاجة معينة من الأسفل تبرز حاجة أعلى منها مباشرة في طلب الإشباع.
- الحاجات المشبعة للفرد لا يمكن أن تكون مصدر تحفيز له.
وبناء على تلك الافتراضات فإن ماسلو يرى أن:
- عدم إشباع هذه الحاجات ينعكس على إنتاجية الفرد ورغبته في العمل.
- إشباع تلك الحاجات يؤدي إلى بروز حاجات جديدة للفرد لابد من إشباعها لدفعه للعمل بجد واستمرار.
- أن تحديد تلك الحاجات وتفهمها من مسؤوليات المسير في المؤسسة، فلو اهتم الأخير بتحفيزها , سيزيد من رغبة الأفراد في انجاز العمل بأكثر كفاءة وفعالية.
شرح الحاجات الخمس لـ "ماسلو" :
1. الحاجات الفسيولوجية: وهي الحاجات الإنسانية لبناء الفرد والمحافظة على نوعه، وتمثل حد الكفاف للإنسان كالطعام والشراب والنوم والجنس. وتقدم الإدارة وسائل لإشباعها مثل : الأجر الأساسي، ظروف العمل، فترات الراحة.
2. حاجات الأمان: وهي حاجة الحماية من خطر الآخرين، والحماية من الأضرار التي تحدد الأمن النفسي والمادي , وفقدان مصدر العيش, والحصول على عمل مستقر يوفر الأجر الكافي. ويمكن إشباع هذه الحاجات في ميدان العمل من خلال: أنظمة الأمن الصناعي، التأمينات الاجتماعية، الرعاية الصحية، السلامة المهنية، أنظمة التقاعد، قوانين العمل، أنظمة الترقيات، الزيادات في الأجور.
3. الحاجة الاجتماعية: وهي الحاجات التي تعكس حاجة الفرد إلى الحب, والانتماء إلى غيره من أقارب وزملاء وأصدقاء. فالإنسان اجتماعي بطبعه، فهو حريص على أن يشعر بأنه جزء من جماعة, يعيش بينها, ويتصل بها, وينتمي إليها. وعدم إشباع هذه الحاجة يخلق لديه عدم التوازن في قدرته على التكيف مع محيطه. ويمكن إشباع تلك الحاجة لدى العاملين من خلال: ممارسات وأساليب الإدارة تجاه عوامل الروح المعنوية، نمط القيادة الديمقراطي، الإشراف، العلاقات المهنية، وتجانس مجموعات العمل.
4. حاجات التقدير والاحترام: وهي حاجة الإنسان إلى احترام الآخرين له وتقديرهم له، والاعتراف بمجهوداته، ومركزه الاجتماعي، وبالثقة بالنفس, والسلطة والقوة, المقدرة , الكرامة والإحساس بأهمية عمله. وللحوافز والترقيات التي يحصل عليها الفرد دور كبير في إشباع حاجات التقدير مثل : لقب، مركز وظيفي، ترقية، علاوات , خطابات الشكر والثناء, وشهادات التقدير من المشرفين أو الزملاء وغيرها من الحوافز المؤدية إلى إشباع هذه الحاجات .
5. حاجة تحقيق الذات: وهي طموح الفرد إلى أن يصل ويرٍد أعلى مراحل الأداء، حيث يريد تحقيق كل ما يتفق مع قدراته ومواهبه وكفاءاته، وبالتالي تحقيق النجاح في عمله. ويمكن أن تشبع تلك الحاجة في ميدان العمل بحصول الفرد على وظيفة ذات تحدٍ، أو تحتوي على إبداع وترقيات.
تقييم نظرية ماسلو:
لاقت نظرية ماسلو في بداية ظهورها نجاحا كبيرا بسبب المنطق الذي تعتمد عليه، وبسبب إسهاماتها في معرفة مجال معقد , ألا وهو مجال الحاجات الإنسانية. ومع ذلك فلم تسلم من انتقادات عدة وجهت إليها وفق دراسات وأبحاث عديدة , ومن هذه الانتقادات ما يلي:
- قد يقدم الفرد على إشباع أكثر من حاجة في نفس الوقت , تفترض النظرية أننا ننتقل من إشباع إحدى الحاجات إلى إشباع حاجة أخرى فور إشباع الحاجة الأدنى، ولكن يمكن المجادلة بأننا في الواقع نقوم بإشباع أكثر من حاجة في نفس الوقت.
- ترتيب الحاجات وفق هرم ماسلو ليس شيئا ثابتا لدى كل الناس, أو في كل المجتمعات. إذ أن بعض الناس قد تختلف في ترتيبها لهذه الحاجات، فمثلاً الشخص المبدع قد يبدأ السلم من الحاجة لتحقيق الذات، وقد يهتم آخرون بالحاجات الاجتماعية.
- إن بروز الحاجات وأولويتها تختلف من فرد لأخر,
- الواقع يظهر أن هناك اختلافا في درجة الإشباع لدى الأفراد. فقد يصر بعض الناس على مزيد من الإشباع لحاجة معينة بالرغم من إشباعها بالفعل وهذا خلافاً لما تفترضه النظرية بأنه في حال إشباع حاجة معينة يتم الانتقال إلى إشباع حاجة أعلى منها في السلسلة.
- لم تهتم النظرية بتحديد حجم الإشباع اللازم للانتقال إلى الحاجة الأعلى منها مباشرة، بل إنها افترضت أن هناك إشباع فقط دون أن تحدد مقداره.
- كما يمكن اعتبار أن هذه النظرية (نظرية ابراهام ماسلو) غير دقيقة آو مرتبة بشكل صحيح إلى حد كبير، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها أغفلت الجانب الديني (او الروحي) , على أساس أن للدين أو العقيدة أهمية كبيرة لدى الكثير من البشر بغض النظر غن تلك الديانة او العقيدة.
وعلى الرغم من الانتقادات الموجه لهذه النظرية التي تفترض بأن عملية التحفيز يجب أن توجه إلى الحاجات غير المشبعة، لذا فإن نجاح عملية التحفيز يعتمد على قدرة المنظمة في اكتشاف هذه الحاجات، وتوجيه المحفزات لإشباعها.
د- نظرية ألدفر ERG:
اقترح " Clayton Alderfer " نظريته المسماة "نظرية الدفر" لمعالجة بعض أوجه القصور في نظرية التسلسل الهرمي لماسلو, وقد ظهرت في عام 1969 في مقال بعنوان "تجارب تطبيقية لنظرية جديدة من حاجة الإنسان" , في رد فعل على التسلسل الهرمي الشهير ماسلو الحاجات التي كتبها، ويرى فيه أن نموذج ماسلو لا يمكن تعميمه على جميع الأفراد، ولا يمكن التعرف من خلاله على توقعات السلوك لدى الأفراد.
"ألدفر" يميز بين ثلاث فئات من حاجات الإنسان التي تؤثر على سلوكه وهي:
- حاجات الوجود.
- حاجات الارتباط.
- حاجات النمو.
أنواع الاحتياجات البشرية حسب نظرية ألدفر:
هذه الحاجات تتكون من الفئات التالية هي:
1. حاجات البقاء: وهي مجموعة الحاجات التي تضمن الاستمرار، وهي مرادفة للحاجات الفسيولوجية والأمان في نظرية ماسلو.
2. حاجات الارتباط والعلاقات مع الآخرين: وهي مجموعة الحاجات الاجتماعية وعلاقة الفرد مع الآخرين.
3. حاجات النمو: وهي مجموعة حاجات تطوير واستعمال مؤهلات الفرد، وهي مرادفة لحاجات التقدير وتحقيق الذات في نظرية ماسلو.
ومن خلال التقسيم السابق نجد أن نظرية ألدفر تستند على عمل ماسلو، ففيهما الكثير من القواسم المشتركة , كذلك توجد اختلافات جوهرية بينهما.
أوجه التشابه مع مدرج ماسلو :
تتشابه نظرية ألدفر مع التسلسل الهرمي لماسلو فيما يلي:
- خفضت نظرية ألدفر مستويات الحاجات إلى ثلاثة, بدلا من خمسة, كما هي في تطرية التسلسل الهرمي لماسلو .
- حذت نظرية ألدفر مثل نموذج ماسلو في هرمية الحاجات , فحاجات الوجود لها الأولوية على حاجات الارتباط ، وحاجات الارتباط لها الأولوية كذلك على حاجات النمو.
أوجه الاختلاف مع مدرج ماسلو :
تختلف نظرية ألدفر مع التسلسل الهرمي لماسلو فيما يلي:
- الحاجات لا تَتَبَّع (أي لا يوجد تسلسل محدد لها)، بل قد يحاول الإنسان تلبية أكثر من نوع من الحاجات في آن واحد. فمثلا قد تجد شخصا قليل الدخل يذهب لحضور مباريات كرة القدم في الملعب، أو قد يقبلٌ فرد ما بعمل يحتوي على نواح تقديرية أقل, لسبب أن العمل الذي يحتوي على تقدير وتحقيق ذات عاليين لا يلبي الحاجات الأساسية.
- تنشط لدى الفرد أكثر من حاجة في وقت واحد.
- قلصت الحاجات الإنسانية إلى ثلاث بدلا من خمس.
- حين يتوقف إشباع حاجة في مستوى أعل ى تزداد الرغبة لإشباع حاجات أدنى.
- لا تفترض النظرية تسلسلا صارما لإشباع الحاجات نحو الأعلى.
- تأخذ بعين الاعتبار الفروق بين الأشخاص وثقافاتهم وبيئتهم.
تقييم نظرية ألدفر:
وجهت انتقادات عدة لنظرية ألدفر لكنها أقل مما كان لنظرية ماسلو، ومنها:
- أن هذه النظرية لم تشر ما إذا كانت بعض الحاجات هي أكثر تحفيزا من غيرها.
- لم تشر إلى كيفية قياس الحاجات ودرجة تحقيقها للرضا لدى الأفراد، ومن ثم إحداث سياسة للموارد البشرية في المنظمة.
هـ- نظرية ماكليلاند:
يركز هذا النموذج على أن التحفيز يعتمد على الحاجات، وقد طور ماكليلاند نموذجه على نموذج Henry Maurry , والذي توصل فيه هذا الأخير إلى أن الحاجات كأساس للحوافز، أطلق عليه اسم الحاجات الواضحة، والذي يرفض فيه تدرج الحاجات في شكل هرمي. كما يذهب ماكليلاند في نظريته إلى أن الحاجات الإنسانية ذات استقرار نسبي، فطاقة الإنسان الداخلية الكامنة تبقى ساكنة حتى يأتي عامل ما يثيرها، ويعبر عن هذا العامل عادة بالحافز، والذي يعتبر ترجمة لهدف معين، فإذا حقق الفرد ذلك فإنه يؤدي إلى إشباع الحاجة التي أثيرت لديه، وشكلت دافعيته.
أنواع الحاجات وفقا لنظرية ماكليلاند:
ووفقا لنظرية ماكليلاند فإن الحاجات ذات الارتباط ببيئة العمل يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
- الحاجة إلى الانجاز.
- الحاجة إلى الانتماء.
- الحاجة إلى القوة والتأثير.
وفيما يلي استعراض لتلك الحاجات :
أ- حاجات الانجاز: يعرف دافع الإنجاز بأنه الفرق بين مستوى الطموح ومستوى الأداء الفعلي. فكلما قلت المسافة بين مستوى الطموح ومستوى الأداء الفعلي انخفض دافع الإنجاز، و كلما زادت المسافة ارتفع دافع الانجاز. ويمكن التعبير عن الحاجة إلى الانجاز بأنها سلوك يغلب عليه الرغبة في التنافس والوصول إلى أداء ممتاز أو غير عادي.
ويتصف العاملون الذين لديهم حاجة للإنجاز بما يلي:
- - الرغبة القوية في تحمل مسؤولية حل المشاكل المعقدة.
- - الرغبة القوية في التعامل مع أهداف صعبة والميل في تحمل المخاطر.
- - الرغبة القوية في الحصول على المعلومات المرتبة بشكل مستمر عن مستوى الأداء.
- - الرغبة في الاعتماد على الذات، وعدم الاشتراك مع الآخرين عند انجاز المهام.
- - الرغبة في الحصول على عائد في مقابل ما أنجزوه.
ب- حاجات الانتماء: وتعرف بأنها حاجة الفرد لوجوده مع الآخرين وبينهم، والرغبة الدائمة في الحصول على موافقة المحيطين، سواء على النفس أو السلوك. فمثل هؤلاء الأشخاص الذين لديهم حاجات قوية للانتماء تراهم يهتمون إلى حد كبير بتجنب أي سبب يؤثر على حسن علاقاتهم ومشاعرهم الودية مع الآخرين، وتجدهم ينغمسون في العمل الذي يسمح لهم بإقامة علاقات متينة طيبة ومستمرة معهم؛ لذلك فإن الأشخاص الذين لديهم حاجة شديدة للانتماء, عادة ما يتجنبون العمل الإداري على اعتبار أن هناك عداء تقليديا من قبل المرؤوسين تجاه الرؤساء , من الصعب أحيانا تجنبه.
ج- الحاجة إلى النفوذ والقوة والتأثير: وتعرف بالرغبة في التأثير في الآخرين والرغبة في السيطرة أو التحكم في البيئة المحيطة، فهؤلاء الأشخاص غالبا ما ينحصر وقتهم وتفكيرهم وجهدهم في الحصول على مركز وظيفي يحصل من خلاله الفرد على المكافآت والقوة، ومن ثم السيطرة والنفوذ، كما أن هؤلاء الأشخاص لا يعطون اهتماما لحسن العلاقات مع الآخرين، ولا يهمهم رضاهم عنهم. وقد افترض ماكليلاند الأفراد الذين لديهم دافع قوي للإنجاز يكون لديهم عادة حاجة قوية للنفوذ، فمثل هؤلاء الأشخاص الذين لديهم الرغبة القوية في التأثير في الآخرين يكثرون من تقديم الآراء والمقترحات في محاولة إقناع الآخرين بقبول آرائهم، ومن خصائصهم كذلك الطلاقة في الحديث واللباقة والرغبة الدائمة في النقاش والجدل , ويتوقع نجاح هذا النوع من العاملين في وظائف القيادة الإدارية.
وتوصل ماكليلاند من خلال تجاربه إلى أن :
- هناك أفرادا لهم ميول ورغبات عالية لإتمام العمل بصورة جيدة خلافا للأفراد العاديين.
- يرى أن تلك الحاجات الثلاث موجودة لدى كل إنسان ولا يوجد تدرج لإشباعها، فهي مترابطة وتتفاوت من شخص لآخر، وأنها مستمرة لا نهاية لها.
- ركز بصورة كبيرة على الحاجة إلى الانجاز على اعتبار أنها الفرق بين مستوى الطموح ومستوى الأداء، فكلما قلت المسافة بينهما انخفض الحافز والعكس صحيح، وفي حالة انعدام المسافة (تطابق مستوى الطموح ومستوى الأداء) يبدأ الفرد في التفكير برفع مستوى الطموح إلى أعلى حد، وذلك بناء على قدراته وخبراته السابقة.
- يرى أن الحاجات الثلاث مرتبطة تشكل مجتمعة محفزا لدى الفرد للأداء الجيد، وأن فقدان أيا منها يؤدي إلى تقليل دافعية الفرد، ومن ثم يقلل أداءه.
- ركز على دافع الانجاز, على أساس أنه الأقوى, حتى سميت نظريته بنظرية الحاجة للانجاز.
وبتركيز نظرية ماكليلاند على دافع الانجاز لدى العاملين, فهي تتميز بأنها تركز على الفروقات بين الأفراد, في مدى امتلاكهم لدوافع ذاتية للانجاز, والأداء العالي المتميز, والنجاح في تحقيق الأهداف التي يلتزمون بتحقيقها، والتي غالبا ما تكون أهدافا عالية المستوى.
نقد نظرية ماكليلاند:
نرى أن هذه النظرية تركز على دوافع الانجاز وتتجاهل الدوافع الأخرى، وأن أهميتها ترتبط بأهمية حاجات الانجاز.
الآثار المترتبة للإدارة:
الناس ذوي الحاجات المختلفة تحفيزهم مختلف أيضا, فـ :
ذوي الحاجة العالية للانجاز ينبغي على الإدارة أن توفر لهم مشاريعا وأعمالا ذات أهداف صعبة وقابلة للوصول. وينبغي إعطاءهم تغذية مرتدة متكررة . في حين أن المال ليس محفزا هاما لديهم , وهو شكل فعال في التغذية المرتدة.
- العاملون ذوو الحاجة العالة للانتماء ينبغي على الإدارة أن توفر لهم البيئة التعاونية , فأداؤهم فيها أفضل.
- العاملون ذوو الحاجة العالية للقوة والسلطة , ينبغي على الإدارة أن توفر لهم الفرص لإدارة الآخرين.
لاحظ أن نظرية ماكليلاند تسمح لتشكيل احتياجات الفرد. فالبرامج التدريبية يمكن استخدامها لتعديل حاجته الشخصية.
خاتمة:
في الشبكة المعقدة للدوافع البشرية، قمنا برحلة عبر نسيج غني من النظريات ووجهات النظر. من المبادئ الآلية للإدارة العلمية لتايلور إلى النهج المرتكز على الإنسان في حركة العلاقات الإنسانية لإلتون مايو، شهدنا تطور الفكر حول ما يدفعنا إلى الأداء بأفضل ما لدينا.
علمتنا نظرية التسلسل الهرمي للاحتياجات التي وضعها أبراهام ماسلو أن الدافع لا يشمل الرغبات المادية فحسب، بل يشمل أيضًا أشواق الروح البشرية. لقد ألقى هرمه المكون من خمسة مستويات الضوء على التفاعل المعقد بين الاحتياجات الفسيولوجية، والسلامة، والاجتماعية، والاحترام، وتحقيق الذات.
قدمت نظرية ERG لكلايتون ألدرفر عدسة جديدة يمكن من خلالها رؤية الدوافع، مع الاعتراف بأن الاحتياجات البشرية ليست دائمًا مكدسة بدقة في ترتيب هرمي.
وبينما نختتم هذا الاستكشاف، يظل هناك شيء واحد واضح: إن السعي لفهم الدوافع هو رحلة دائمة التطور. في المشهد الديناميكي لمكان العمل الحديث، يعد الاعتراف بالطبيعة المتعددة الأوجه للتحفيز أمرًا أساسيًا. ولا يتعلق الأمر فقط بالجزرة أو العصا، بل بالتوازن الدقيق بين الحوافز المادية والمعنوية، والتواصل الإنساني، والتقدير، والسعي لتحقيق النمو الشخصي.
في عالم التحفيز، لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، ولا يزال الطريق إلى إطلاق العنان للإمكانات البشرية موضوعًا للانبهار والاكتشاف.