recent
أخبار ساخنة

المحاضرة السادسة: خطوات اعداد البحث العلمي (2)

   

رسم توضيحي يصور باحثًا يفحص البيانات من خلال خريطة مليئة بالمفاهيم والنظريات. ترمز الصورة إلى عملية توضيح مشاكل البحث وتحديد الأهداف والتأكيد على التحليل والاستكشاف في البحث العلمي.



استكشفنا في الجزء الاول من خطوات اعداد البحث العلمي  تعقيدات اختيار مشكلة البحث ، ثم  تعرفنا على الأساليب المختلفة ، من استكشاف النظرية إلى الخبرة العملية ، وادركنا أهمية تقييم المشكلة. هنا بنا الى الجزء الثاني نستكمل جزءا اخر من تلك الخطوات:

 خطوات توضيح مشكلة البحث

بعد أن يتضح للباحث: ما هي المشكلة؟، وماذا يجب أن تكون؟ ، وكيف يختارها؟، كما تبين له جدوى دراستها؟، يبدأ في توضيح ماهيتها للقارئ أيا كان.

 •     التمهيد لمشكلة البحث:

يتعين على الباحث أن يهيئ ذهن القارئ لبحثه الشعور بوجود المشكلة، لأنه لا يكتُب لنفسه أو لمن يعرف المشكلة فقط ، إنما أيضا يكتبها لمن لا يعرف أن هناك مشكلة بهذا العنوان.

وتتحقق تهيئة ذهن القارئ للشعور بالمشكلة عرض عدد من الظواهر المرتبطة بها. أو تقديم إحصاءات من شأنها أن تجعل القارئ يتساءل عن أسباب تناقض الأرقام التي تتضمنها تلك الإحصاءات. فالباحث عندما يمهد لبحثه لا يتناول مشكلة بحثه مباشرة ، وإنما يلامسها لمسا خفيفا  بشكل غير مباشر حتى ينتقل بالقارئ نقلا منطقيا للخطوة الثانية "تعريف المشكلة وتحديد أسئلة البحث".

 •     تعريف مشكلة البحث وتحديد اسئلته:

بعد إدراك القارئ مدى إلحاح دراسة المشكلة، من خلال ما وضحه الباحث من ظواهر مرتبطة بها في الخطوة الأولى ، لكنه لم يعرف حتى الآن ماذا سوف يتناوله الباحث لها؟ وما الجوانب التي سوف يتعرض لبحثها ؟ . لهذا يتعين على الباحث أن يعرِّف المشكلة أولا ثم يحدد ما سوف يجيب عليه البحث من أسئلة.

 صياغة المشكلة:

ليس هناك صياغة محددة تصاغ بها المشكلة ، فقد تصاغ على شكل أسئلة ، أو بصورة جمل تعبيرية ، والمهم أن تتضح بشكل عام.

ومما يساعد على وضوحها أن تعرَّف المشكلة بوصفها ، وإيراد الدلالات التي توضحها ، ثم الانتهاء بسرد التساؤلات التي سوف يتناولها البحث.

 •     فروض البحث:

بعد تحديد المشكلة ، فأول ما يتبادر إلى الذهن احتمالات حلها ابتداء ، وعليه لا بد للباحث من وضع حلول ممكنة (وتسمى فروضا) مستمدة من خلفية علمية مقروءة أو مسموعة أو مرئية، تنهي الحيرة وتكشف عن الغموض، أو تزيل العاقبة غير المرغوبة، أو تكشف عن البديل قبل اجراء البحث، ليعرف الباحث مدى قدرته على إجراء البحث، إجراء يحكم بموجبه بقبولها حلا حقيقيا للمشكلة أو عدم قبولها. فقد يتضح له عند سرده للحلول الممكنة (الفروض) بأن اختيارها وما يتطلبه من معلومات يفوق استعداداته وإمكاناته، ومن ثم يعدل عن بحث المشكلة كليةً، ويبحث عن غيرها.

وجاء معنى فرضية في معجم المعاني الجامع:

*  رأي علميّ لم يثبت بعد ، افتراض على سبيل الجدل.

* فكرة يؤخذ بها في البرهنة على قضية أو حل مسألة.

ويمكن ان تفهم الفرضية بأنها:

-  حلول ممكنة وإجابات محتملة لأسئلة البحث.

-  تستمد من أسس علمية وليس مجرد تخمينات اعتباطية.

-   تدل الباحث على مدى قدرته على اختبارها.

 صياغة الفروض:

تصاغ فروض البحث ابتداء صياغة مباشرة  كما يتوقعها الباحث؛ فإذا كان البحث تجريبيا أو وصفيا فان اختبارها يكون كميا. وهنا لابد من تطبيق بعض المعالجات الإحصائية (الاختبارات) التي تقيس مقدار الفرق بين المتغيرات أو العلاقات بينها، قياسا يستطيع الباحث بموجبه أن يقبل الفرض أو لا يقبله. وهكذا يتطلب من الباحث أن يعدل ويحول صياغة الفروض المباشرة إلى فروض إحصائية:

-  أما على شكل فروض صفرية: أي يفترض الباحث بان العلاقة بين المتغيرات المدروسة أو الفرق المتوقع مثلا صفر وان مقدار العلاقة أو الفرق يتضح ما هو الا لمجرد الصدفة. وتطبق المعالجات الإحصائية : اختبار ت ، تحليل التباين ، اختبار مربع كاي ،اختبارات معامل الارتباط. ويتوصل الباحث باستخدام تلك الاختبارات إلى قبول الفرض أو عدم قبوله.

- على شكل فروض بديلة (غير صفرية): إذ لا تحول الفروض المباشرة إلى فروض إحصائية بديلة (غير صفرية) إلا إذا كان الاحتمال كبيرا بان لا تثبت النتائج فرقا.

 هل لا بد للبحث من فروض؟

من الطبيعي جدا أن الباحث عندما لا يكون لديه خلفية علمية عن الاحتمالات الممكنة لحل المشكلة لا يستطيع أن يفترض لها فروضا  إلا أن تفترض فروضا اعتباطية تفتقد إلى المبرر العلمي. وعليه نقول: أن البحوث الاستطلاعية أو كما تسمى الاستكشافية – التي هي تجرى أساسا بغرض معرفة: هل هناك مشكلة أم لا ؟ -  لا تتطلب فروضا .

كذلك البحوث عن حقائق لا تتطلب فروضا، لأنها تجرى أساسا بغرض استجلاء تلك الحقائق وإبرازها. ودور الباحث هنا يكمن في تحقيق ذلك الهدف دون أن يتوقع أن الحقائق كذا وكذا...

إن كثيرا من الموضوعات البحثية تقع تحت المظلة الواسعة لهذين النوعين من البحوث ، فواجب الباحث أن يقرر ابتداء هل بحثه يقع تحت أي منهما. فإذا كان ذلك كذلك فيكتفي باسئلة البحث عن فروضه ، وإذا لم يكن كذلك فلا بد لبحثه من فروض يستطيع أن يستمدها من مصادر متعددة. 

ومن أهم مصادر بناء الفروض:

-      القراءة المتعمقة للكتابات العلمية وبخاصة الأبحاث والمقالات المنشورة في مجال البحث.

-      البحوث التي سبق إجراؤها في الموضوع نفسه

-      الأقوال التي يروجها بعض فئات أفراد المجتمع  عن أمور معينة.

 الخلط بين التساؤلات والفرضيات البحثية:

يخلط كثير من الدارسين بين الفرضيات وأسئلة البحث مع ان كلا منهما مصمم لغرض مختلف. ومتى يجتمعان ومتى يكتفي بأسئلة البحث فقط؟

اذا كانت الظاهرة قيد البحث لا توجد علاقات بينها وغيرها من الظواهر الأخرى، أو حالة المسوح الوصفية ، أو من قبيل الدراسات التي تستهدف الكشف عن السمات والخصائص أو التعرف على ظاهرة ما ، ففي هذه الحالة لا تحتاج إلى صياغة فرضيات علمية، ويُكتفى فيها بالتساؤلات.

أما في حالة وجود علاقات بين الظاهرة قيد البحث والظواهر الأخرى ، أو مثل الدراسات التي تستهدف وصف العلاقات بين العناصر في إطار علاقات فرضية يستهدف البحث اختبارها أو على الأقل وصف هذه العلاقات ، فإن الأمر يحتاج إلى صياغة فرضيات علمية. وهنا يكتب الباحث كل من الفرضيات والتساؤلات بطريقة مختلفة عن الأخرى مع مراعاة نوعية التساؤلات ، وذلك على النحو التالي:

1- التساؤلات الوصفية؛ مثل: ما هي المشكلات التي ...؟ أو ما هي اتجاهات....؟

2- تساؤلات العلاقات؛ مثل: ما علاقة ....بـ.......؟، ما أثر ..... على .........؟

3- تساؤلات الفروق؛ مثال: هل يوجد فروق في ....... يعزى إلى .....؟.

 معايير الفروض الجيدة:

1- أن تصور ما يتوقع الباحث فعلا أنه حلا للمشكلة.

2-  أن يستمد من أسس نظرية وبراهين علمية تؤكد جدوى اختبارها.

3-  أن تكون قابلة للاختبار أي أن لا تكون من العمومية بحث يستحيل التحقق منها.

4- أن تكون مختصرة وواضحة.

 الفرق بين فروض البحث وافتراضات البحث:

سبق معرفة فروض البحث  والتي يطلق عليها في الانجليزية  Hypothesesأما افتراضات البحث فتسمى بالانجليزية Assumptions والمقصود بها مسلمات البحث. وهي ما يجب أن يسلم بصحتها كلا من الباحث والقارئ لأنها لا تتعارض مع الحقائق العلمية في مجال البحث ولا تحتاج إلى براهين وأدلة تدل على صحتها.ومتى احتاجت إلى تدليل أو برهنة فهي فروض وليست افتراضات.

 •     أهداف البحث: 

الباحث عندما يوضح أهداف بحثه،  فهو يجيب على سؤال : لماذا يجري البحث؟.

ويعتبر تحديد أهداف البحث في بداية العملية البحثية ضروري جدا ، فبعد أن حدد (ماذا؟) بالخطوات السابقة يتعين عليه أن يكمل توضيحه بـ (لماذا؟) . فهذا هو السؤال الثاني الذي سوف يسأله القارئ.

وأهداف البحث هي التي تعكس مدى الإضافة إلى ما هو معلوم ، أو إسهام البحث في تقديم حلول علمية مبرهنة للمشكلة المدروسة. فتحديد أسئلة البحث لا تبدو واضحة ما لم يعرف لماذا تعد الإجابة عليها ضرورية.

وكما يقول كراثول 1977 : (الأهداف تُعَد الأساس والمعيار الذي يحكم  على البحث من خلاله ، فمن خلالها يتضح مساهمة البحث في حل المشكلة المطروحة).

ومن الأخطاء عند وضع الأهداف ما يلي:

-      وضع أهداف غامضة 

-      وضع أهداف غير مرتبة حسب أهميتها .

-      أحيانا تتضمن أهدافا تخرج عن نطاق المشكلة المدروسة.

-      وضع أهداف صعبة أو مستحيلة التحقق.

-      عدم وضع أهداف يمكن تحقيقها بواسطة البحث.

وعليه يمكننا القول أن أهداف البحث يجب أن تكون:

  محددة ، يمكن قياس مدى تحققها.

 دقيقة وواضحة ، وثيقة الصلة في ارتباطها بمشكلة البحث

   قابلة  للتحقيق في ضوء الوقت والجهد المخصصين للبحث.

 •     أهمية البحث:

وتسمى أيضا "مبررات البحث". ويقصد بها إبراز القيمة الحقيقية المرجوة من البحث ، فالباحث يفترض أن القارئ لا يتفق معه في أهمية المشكلة، برغم التوضيح في الخطوات السابقة ، وعليه يتطلب منه أن يسهب في توضيح أهمية المشكلة وجدوى دراستها، وعرض الأدلة والشواهد لتوضيح الأهمية.

ومن الأدلة والشواهد التي يمكن عرضها والاستشهاد بها :

-  توضيح ما يمكن أن يقدمه البحث في حل مشكلة أو إضافة علمية.

-  الإحصاءات ذات العلاقة المباشرة بموضوع البحث.

- الإشارة إلى التوصيات التي وردت في بحوث سابقة تتضمن على أهمية دراسة مثل هذا الموضوع .

- تضمين بعض الأدلة المنقولة لذوي الصلة بموضوع البحث ، سواء كانوا علماء أم مستفيدين.

 •  الإطار النظري:

كل الخطوات السابقة تتطلب بالدرجة الأولى خلفية علمية بمشكلة البحث ومجالها، حتى يستمد منها المعلومات اللازمة التي تتكوَّن بناء على تلك الخطوات، لهذا يصبح الإطار النظري لأي بحث علمي أشبه ما يكون بالحدود الطبيعية له، أو الأسس والقواعد التي يعتمد عليها الباحث في دراسته له ، اذ يشبه الخارطة التي يهتدي بها المسافر في سفره، أو الكتالوج عند الشخص الذي يريد إصلاح آلة معيبة.

ومن معاني الإطار النظري أو المفاهيمي بأنه: عبارة عن اختيار نظرية معينة أو مجموعة من المفاهيم أو القوانين يتم من خلالها صياغة وحل المشكلة.

 •     حدود البحث: 

قد يكون للبحث ثلاثة امتدادات ، فالباحث يسأل نفسه:

-      هل هذا الجانب يدخل في موضوع البحث أم لا؟

-      هل البحث يغطي هذه المدة أم يجب أن يغطي أكثر أم اقل؟

-      هل من المفروض أن اقصر البحث على هذه المدينة فقط أم من الأفضل أن يطبق على منطقة كاملة؟.

وبنا على ما سبق، يمكننا أن  نرسم حدود البحث في: الموضوع ،  المكان،  الزمان.

وهذا التحديد ليس لحصر جهد الباحث في مجالات محددة فحسب ، بل أيضا ليتضح مدى إمكانية تقييم نتائج البحث وتطبيقها.

 •     قصور البحث: 

قصور البحث صفة تلازم أي بحث في الظاهرة الإنسانية، وذلك لصعوبة الحياد التام من قبل الباحث أو المجيب؛ وعليه يجب  على الباحث أن يوضح جوانب القصور في بحثه، وذلك في الاعتبار عند اتخاذ قرار بشأن نتائج البحث.

 •     مصطلحات البحث:

 الباحث والقارئ بحاجة ماسة للاتفاق معا على المدلول الذي عناه الباحث للمصطلحات المهمة في بحثه ، والتي تتكوَّن منها مشكلة البحث، حتى لا تفسر من قبل القارئ بمدلول مختلف، وخاصة أن بعض المصطلحات وتعريفاتها لها أكثر من مدلول محتمل لعلماء اللغة والتربية والنفس والاجتماع والإدارة والاقتصاد....الخ. فهنا الباحث يحدد مفاهيم أهم المصطلحات التي تتكرر في بحثه بالمدلول الإجرائي الذي يعنيه، مراعيا في ذلك المدلول اللفظي الصحيح للمصطلح.

 •     عنوان البحث:

العنوان الذي يعنون به البحث لا بد أن يكون دعاية وإعلاما يجذب القراء لقراءة البحث من جانب  ، وكذلك يعكس حقيقة البحث ومحتواه من جانب آخر، حتى لا يوهم القارئ بمضمون يختلف عن المضمون الحقيقي للبحث. وهذان الشرطان لن يتأتيا إطلاقا ما لم يكن لدى الباحث علم متكامل بحقيقة البحث ومعرفة ماهيته.



google-playkhamsatmostaqltradent